أبا الفضل..ذو الكفل
بادئ الحديث، "ذو الكفل" هو مسمى لمن يتكفل بأمر وكنى أحد الانبياء بها وهو النبي حزقائيل أو حزقيال وقيل النبي إلياس عليه السلام وقيل نبي من بني اسرائيل، وسمي بذلك لتكفله ببعض الامور عن قومه كالصلاة وخلافها..
وللدخول في المعنى اللغوي لكلمة "كفَل" فهو:
كَفَلَ: فلانٌ ـُ كَفْلاً، وكُفُولاً: واصل الصوم. وـ أخذ على نفسه ألاّ يتكلم في صيامه. فهو كافِل. ( ج ) كُفَّل. ويقال: كفل في صيامه. وـ أكل خُبزاً بغير إدام. وـ الرجل، وبالرجل كَفْلاً، وكَفَالة: ضَمِنَه. ويقال: كَفَل المال، وكفل عنه المال لغريمه. فهو كافل. ( ج ) كُفَّل. وهو وهي كفيل. ( ج ) كُفَلاء. وـ الصغير: ربّاه وأنفق عليه. وفي التنزيل العزيز: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم}.( أكْفَلَ ) فلاناً المال: جعله يضمنه. وـ فلاناً ماله: أعطاه إليه ليكفله ويرعاه. وفي التنزيل العزيز: {إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها}.( كَافَلَه ): عاقده وعاهده. وـ جاوره.( كَفَّلَ ) فلاناً المال: أكفله. وـ فلاناً الصغير: جعله كافلاً له. وفي التنزيل العزيز: {وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا}.( اكْتَفَلَ ) بالشيء: جعله ناحية كفله.
وبعد أن عرفنا معنى الكفل أخترت معنى ذو الكفل اي ذو العهد او ذو الحمل أو ذو الضمانة لأصف بها ابو الفضل، فإن سيرة العباس بن علي بن ابي طالب مبنية على عهده ذاك الذي قطعه لابيه بكفالة اخته العقيلة زينب بنت علي، ومنها سمي بالكفيل والكافل لحريم رسول الله حين وقعت كربلاء، وبعدها عرف بعهده بجلب الماء وهو الوفي الذي لايمكن ان يعود عن عهدٍ قطعه، فكان مقتله الذي حال دون عودته بالماء للنساء والاطفال وهذا الامر الذي حدد موقع مرقده الشريف عند نهر العلقمي بكربلاء.
- ديباجة :
لا أحد يصدق بأن..
أول من جعلني أكتب..
هو العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام..
اجل هي قصة لا يعرفها غيري..
كان ذلك في مرحلة الإعدادي من عمري الدراسي لا اذكر بالضبط عمري كم؟
كنت اعشق هذه الشخصية الجليلة وكنت أحب ان اسمع عن بطولاتها وكراماتها ورواياتها ومولدها وكل ما يتعلق بها كنت أحفظ كل كلمات النوح والعزاء التي تتعلق بها دون غيرها من الشخصيات الكربلائية وان كان عندي الإمام الحسين شخصية جليلة جدا..
بالضبط كما الفرق بين النبي صل الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام فانا اعتبر ان النبي ذو الخلق العظيم كائن عظيم جليل كبير لا يمكن مقارنته بشي ولكني اعشق الإمام علي بعاطفة، وان كنت أحب النبي حبا جما لا يحده حد ..
كذلك الفرق كان بالنسبة لي في حبي للعباس ونظرتي للإمام العظيم والجليل السيد ابن السيد الشهيد أبو الأحرار الثائر الأول الإمام الحسين عليه السلام..
كتبت أول خواطري التي عرفتني على دنيا الأحرف والقلم في شخص العباس بن علي، ومنها انطلقت نحو كتابة الخواطر لأكون بعدها كاتبة قصص قصيرة وعلى أثرها أصبحت صحفية..
العباس بن علي بن أبي طالب ، كانت قصته مشوقة من بداية التخطيط لإنجابه بعد ان سأل الإمام علي عليه السلام أخوه نسابة العرب العقيل بن أبي طالب ان يختار له امرأة ولدتها الفحول من العرب، ولكن لماذا هذا الشرط السر في الجملة المكملة لخطاب الإمام علي، "لأنجب منها فارس يكون عونا لابني الحسين" فأختار له اطهر نسب اختار له أم البنين الجليلة التي بدورها كانت تتذكر حلم حلمته حين كانت طفلة وأمها تمشط شعرها لترويه لها "أماه حلمت البارحة ان قمر وثلاث نجوم يقعون في حجري" تفاءلت الأم التي حذرتها ان لا تروي حلمها لأحد، فقامت بدورها تقصه لأبيها لتعرف على سر تفسير هذا الحلم وكان جواب المفسر ان لهذه الطفلة شأن عظيم فهي ستكون أم لأبناء أجلاء..
قصة لابد لنا من سبر أغوارها للوقوف على عظمتها، تزوج الإمام علي ليس لشيء تزوج وإنما ليكمل هدفه "إنجاب فارس يكون عونا لابنه الحسين" اكتمال الرسالة لا تقف عند الدعوة لها فقط ، وإنما الإعداد لها بكل الآليات المتاحة، ما نفهم ان رسالة الإمام الحسين لم تكن هينة ولا بسيطة، فحين تزوج الإمام علي بالسيدة الجليلة الطاهرة أم البنين وكان اسمها فاطمة بنت حزام الكلابية دخل الحزن بين علي مع تردد اسمها في بيت يفقد فاطمة بضعة النبي، فما كان من هذه السيدة الفاضلة الكريمة إلا ان حنت على أيتام زوجها فجمعت من بالبيت وقالت لهم سموني بكنيتي أم البنين "كنيتها تيمّناً بجدّتها ليلى بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، حيث كان لها خمسة أبناء أكبرهم أبو براء مُلاعب الأسنّة،وقد قال لبيد الشاعر للنعمان ملك الحيرة مفتخراً بنسبه ومشيراً إليها: نـحـن بنو أمّ البنين الأربعة الضاربونَ الهامَ وسطَ المجمعة..
بالطبع فإن المنبت الكريم والأصل الكريم لا ينجب إلا العظيم، وعليه كانت هذه السيدة كريمة المنبت عظيمة الأخلاق قد منّ الله عليها بالبنين دون عن البنات كما تكنت به، فأعطاها الله القمر والنجوم، أعطاها الله سبحانه أبو الفضل العباس الذي وصف بجماله في الخَلقِ والخُلق، والجسم والصفات والنفس التي تربت على سماحة الأخلاق وطيبها، وتربى على أيادي الإمامة كلها بين أبيه الإمام علي وأخويه الإمامين الحسن والحسين وبين أمه أم البنين، فكيف لهذه الطهارة من السلوك والصفات؟
يذكرها لنا التاريخ إذ رباه أبوه بل أعده ليكون عضد لأخيه الحسين فكان منذ صغره لا يفارق الحسين وكأنه ظله، فقد اهتم الإمام الحسين بهذا الوليد منذ نعومة أظافره فقيل انه لا يشاهد إلا معه أو مع السيدة زينب الحوراء وكأنه يدخر لهما صنيعهما ، إذ لوحظ عليهما حبهما الشديد له منذ ان ولد وحتى حين كبر.
اذكر أكثر تلك الشجاعة التي تحدث عنها التاريخ وكان يتلوها الخطباء على منابرهم، وأجمل تلك المواقف انه حين طلب أرسل مروان ابن الحكم للإمام الحسين عليه السلام يريد رؤيته ذهب الحسين ومعه بالطبع أخيه العضيد وبعض من إخوته قيل محمد بن الحنفية ، هم ان يدخل معه المجلس إلا ان ابن الحكم ولخبثه ومكره كان يريد الفتك بالإمام وكان الإمام الحسين يدرك خبثه فاتفق مع أخيه الذي كان يريد الدخول معه إلى المجلس ومنه حجاب ابن الحكم ان يا أخي إبقى هنا ولكن إذا علا صوتي فادخل فانه قد احتدم الأمر، وكان له ذلك فكان ابن الحكم قد خيره بين قبول البيعة ليزيد بن معاوية الملعون وبين قتله فأبى الإمام روحي له الفداء ذلك الأمر فهم بقتله فعلى صوته فاقتحم العباس وإخوته المجلس وأدرك ابن الحكم هول ما سيقع بعد دخول العباس عليه السلام بغضب كاد ان يرديه في مقامه بعد ان كسر باب مجلسه فخاف وتركهم يذهبون.
وأخرى قيلت أو قرأتها لا اذكر عمق تفاصيلها إذ إني قرأتها منذ زمن طويل، يقال ان الإمام علي منع ابنه العباس من خوض غمار الحروب معه وفي موقعة النهروان -على اغلب التقدير- ذهب أبو الفضل مع أبيه كمرافق لا محارب وكانت كعادة العرب تبدأ الحروب بمناوشات فردية رجل لرجل أو رجلين لرجلين حتى يحتدم الأمر فدخل الحلبة احد المعروفين بغلاظتهم ولم يجرأ احد لمبارزته فخرج بعد نداءات متكررة من الإمام فارس ملثم ذو بنيه عظيمة صرع الفارس في جولة واحدة، هالت جميع الواقفين، واختفى هذا الفارس في لمحة فألتفت الإمام علي يسأل بنيه أين أخوكم العباس فنظر كل واحد بالآخر ونادى احدهم ها هو قادم يا أبي، وحين جاء تقدم إلى أبيه فالتفت إليه الإمام قائلا، كانت مبارزة موفقة ولكن إياك ان تعيدها، بالطبع فاني احكي من ذاكرتي وبخلاف النص الأكيد فيها فهي تماما كما قلت، فقد كان للإمام أبناء ليوث.
العباس بن علي بن أبي طالب، "ولد في 4 شعبان عام 26 للهجرة بالمدينة، وهو أكبر أبناء أم البنين الأربعة الذين استشهدوا في كربلاء بين يدي الحسين عليه السلام. وعند استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام كان العباس في الرابعة عشرة من عمره، وفي كربلاء كان له من العمر 34 سنة. كنيته أبو الفضل وأبو فاضل ومن أشهر ألقابه: قمر بني هاشم، وساقي العطاشى، وحامل لواء الحسين، وحامل الراية، وأبو القربة، والعبد الصالح، وباب الحوائج"..
وأجمل أبيات الشعر التي قيلت فيه ما قالها السيّد راضي القزويني (قدس سره) حين قال رائعته:
أبا الفضل يا من أسّس الفضل والإبا ** أبى الفضل إلا أن تكون له أبا
تطلّبت أسباب العلى فبلغتها ** وما كلّ ساعٍ بالغ ما تطلّبا
ودون احتمال الضيم عزّ ومنعة ** تخيّرت أطراف الأسنّة مركبا
فعظم الله أجورنا وأجوركم بهذا المصاب الجلل، اعفوني عن ذكر مقتله إذ انه عظيم، وسأكتفي بما ذكرت فهذه الشخصية تفوق ما نحكي.
تعليقات
إرسال تعليق