جولة في الميدان
حين قالت لي إحدى المقربات بان الدوار بات دولة داخل دولة لأنها من المنظمين هناك، لم افهم طبيعة هذه الدولة، وحين كانت العديدات من الصديقات والزميلات يسألنني عن ذهابي إلى الدوار لم أدرك سؤالهن إلا بعد ان فاجئوني بأنهن يحرصن على الذهاب مع عائلاتهم إلى الدوار في أوقات بعينها لا تقل عن الأربع ساعات "كواجب" يومي..
كنت اذهب إلى الدوار وكان ذهابي أشبه بتسجيل موقف مؤيد كوني أكثر المتحمسين لهذه الثورة التي اشعر بهيبتها وبهائها الكبير، لتحقيق مطالبها التي يحرص شباب الثورة على إعلانها وهي حق يجب ان يعطى لا ان يؤخذ بالقوة ولكنها حدثت ..
كان ذهابي اليوم إلى الدوار لا يشبه أي مرة فاتت، اعترف باني لست من من يتعاطون الهم السياسي الميداني فذاك زمان ولى كنت فيه اقل نضج، أما اليوم رغم إدراكي لأهمية المطالب وحبي لان أكون فاعلة حتى لو كان من وراء الكواليس إلا ان دور الناشطة السياسية لا يناسبني، ولا ادعيه.
ذهبت مع صديقتي إلى الدوار وأخذنا جولة تعريفية قصيرة، كنت اجهل بعض المساحات هناك فكل الخيام متشابهه وان اختلفت الشعارات، بدا الناس يعيشون حياتهم التي يريدون ان يعيشوها، حتى أصبح الدوار مكان إثبات الولاء ورمز المشاركة فلم يعد في البحرين "بحراني" لم يذهب إلى الدوار، كما ان هناك الكثير من الإخوة من العرب السنة الذين اعرفهم يحرصون على الذهاب.
الجميل ان هناك في تلك الدولة الصغيرة، يوجد كل شيء، ولا يبخل احد بان يعطي من جيبه الخاص أو من خبراته أو إمكانياته ومن لا يستطيع المشاركة فهو يكون حاضر بالدعم المادي أو اللوجستي، وحدنا الهم والهدف، وبات الجميع يقف على ساقيه ليهتف بمطالب تهمه،بات الجميع يعرف انه في وطنه الذي يحبه ويريد له ان يكون الأفضل.. إذا ما المشكلة ..؟؟
ما مشكلة الدوار مع الحرية وتحقيق المطالب؟؟ المماطلة التي طالت حتى عاد السكون الذي أخاف ان يكون نذر لعاصفة مباغته وليرحمنا الله برحمته.. أتمنى ان يكون الدروس المصرية والتونسية والليبية واليمنية وحتى الأردنية والعمانية وهي الأقرب إلينا قد فهمناها ..
كل ما يريده الشعب هو التغيير والإصلاح فهذا الشعار الذي جاء به الملك حتى حمل فوق الأعناق.. فما المشكلة ؟؟
ولنعد في جولة الدوار.. دروس إنسانية يندى لها الجبين وقصص لا يستطيع المرء ان يمر دون ان يسجلها..
هناك وسط الحماسة الجماهيرية، والتصفيق الحار على خطب شعبوية وتعبوية، كان جالس على كرسي متحرك يحمل لافته كتب فيها بما معناه "هذا نتيجة الاعتداء علينا في مأتم كرزكان" شاب لا اعرف ان كان تخطى مرحلة الطفولة المتأخرة أم لا ؟ يجلس على كرسيه مقعد والصدمة انه بات معاق بسبب "الدولة" لأننا هنا سنلوم من ؟
فالدولة التي تعاير أبناءها بما سمي "على نفقة الدولة" تلك القائمة التي تم معايرة المسجونين وكأنهم يمنون عليهم بمنح الدراسة والسكن التي كانت على نفقة الدولة ، ويمكن الهواء والماء والصحة التي من بها الله عليهم كلها كانت على نفقة الدولة.. ولا كأن المواطن يدفع للدولة أضعاف ما يأخذ من حقوق فهو لو لم يكن متفوق لما حصل على منحة للدراسة، وأما السكن فلا اعرف كيف على نفقة الدولة وهو يشتريه من حر ماله..
ليس هذه القضية، القضية أين هي الدولة من هؤلاء، من من كانت السبب في إعاقتهم وترميلهم وتيتيمهم، أين الدولة التي سلطت على الناس الآمنة سلاحها وأعاقت العائلة التي باتت بلا معيل، والشاب الذي صار مقعد، والزوجة التي فقدت زوجها وهي في ريعان الشباب،في حين كان يجب على الدولة ان توفر الرعاية والأمن والسلامة لمواطنيها..فأين حقوقنا ؟؟
هل الفتات الذي يُنثر على الناس بالمنّ يمكن ان يكون بديل للإصلاح؟ تلك القصص التي نراها على ارض الواقع هي ما يشجعنا ان نأخذ موقف إنساني ووطني ونكون مع الحق فيه، وأما ما يفعله الاصطفاف المذهبي فهو أمر لا يعنينا فيه شيء، وذلك إذا حدث إنما كالنار الذي سيأتي على الحرث ولكن كما يقال فان في مثل هذه المصائب الفقير اقل الخاسرين، واغلب من في الدوار هم ما نستطيع ان نقول عنهم اقل الخاسرين من فتنه يمكنها ان تصنع الحل بدل ما يجير لها من ان تكون نكبة.
فقد فاض الكيل وبلغ السيل الزبا، ولم يعد للمداراة مكان لمن يرون الحق ويشيحون عنه، لا يمكنني ان أسامح أناس تغضب من اجل رئيس ولا تغضب لدم مغدور ومظلوم، فهؤلاء لا يستحون منا أي كرامة.
نعم أججت فيني رؤيتي لهذا الشاب الصغير ولافتته التي دعمها بصور له في حال إصابته، مشاعر غضب كبيرة، كانت قد بدأت تخف بعد المجزرة، للأسف بأني لم استطع تصويره بسبب الزحمة، ولكن لا يمكن ان يغادر ذاكرتي، فأي كرامة لشعب في وطن يدوس قادته على رؤوس الناس؟؟
بات التغيير أمر ضروري ولا يمكن التراجع عنه ، بالذات وان الأمر بدأ يخرج من نطاق السيطرة، وأصبحت السياسة تقتضي مبدأ الاستعماريين الجدد "فرق تسد" طائفية ممنهجة يوظفها التلفزيون عبر تجنيد بعض من الإعلاميين المأجورين، ليحولوا تلفزيون "البحرين" لتلفزيون الطائفة الواحدة للأسف، ومن يندسون في خنادق المنتديات وصفحات الفيس بوك، استغربت ان هناك من من تم إلغاء اشتراكهم في بعض المنتديات البحرينية لأنهم يمثلون الرأي الأخر ..
جميلة هي الديمقراطية التي يتبعها هؤلاء والمضحك بأنهم لا يتعظون لا افهم كيف ان دروس ثورية تمر عليهم ولا يأخذون بالنتائج ولا بالتجربة، ويمارسون صنوف الغباء ذاته بالأدوات ذاتها والألاعيب ذاتها وكأن الناس أغبياء..
اجل يدل ذلك على إفلاس سياسي، فالواقع هنا يفرض نفسه ، هناك أغلبية تطالب بالتغيير وأقلية مرفهة لا تريد التغيير الذي قد يؤدي بها إلى خسارة الكثير من مكتسبات المرحلة السابقة.
إذ ساهمة السياسة الممتدة إلى 40 عام في فصل طائفي شنيع ومدروس للطائفتين في البلاد بالضبط كالذي فعله صدام حسين حين قرب إليه أهل السنة ورجال القبائل وبعدها غدر بالجميع، في البحرين مورس إقصاء رهيب لسكان الأرض الأصليين كما فعل مع الهنود الحمر في أمريكا، حتى بات الهنود الحمر أقلية هناك، ولكنه الأمر الذي لم يقدر عليه صناع السياسة في هذا البلد حتى فشل مخطط التجنيس الفاقد لشرعية الاندماج في ظل تغير ديمغرافي استطاع ان يزرع شقاق رهيب في نفوس ليس الشيعة، بل السنة أنفسهم من من تم طيلة كل تلك الأعوام تصنيفهم على إنهم الأفضل وأنهم "أبناء العرب" فكانت المفاجئة بان الرفض جاء من أصحاب المذهب ذاته في حين من انتفض على هذا الأمر هم الطرف المعارض الذي أدرك اللعبة، وفي الوقت الذي قاد المعارضين تلك السياسة وتوقع ان يقف معهم من من تعرضوا مباشرة لخطر المجنسين، جاءت سياسة فرق تسد، واتبعتها بسياسة التحريض الطائفي الذي بدأ يتوالى، في ظل سكوت من الشباب المعارض، بصراحة أدهشني واستحق إعجابي وان كنت أنا نفسي فقدت سيطرتي على تحمل كل هذه الضربات المقصودة التي تجعل حتى الإنسان المعتدل أشبه بالقابض على الجمر..
إذا هذه الرباطة للجأش إنما تثبت بأنه لا تراجع عن جوهر المطالب ولا رجوع عن المبدأ ولا تهاون في مكسب الدماء التي غدر بها، ولا استسلام لتسليم الراية وان زاد عدد البكاؤون فالقافلة ستيسر في دربها وان تعرضت لمضايقات قد تشتد وتيرتها، فلا احد يمكن ان يلغي الثاني، وان وصل الأمر إلى التخوين..
-وهذا الذي أريد الحديث عنه، قضية التخوين التي طالت نسب "البحارنة" والادعاء بأنهم إيرانيين، فأريد ان اعد دراسة عن البحارنة –وهو وصف للبحرينيين الأصليين- وكيف إنهم سمحوا لإخوانهم العرب من أهل السنة ، والهولة والعجم في مشاركتهم الأرض.. والى ماذا آلت الامور..
تعليقات
إرسال تعليق