ثقافة الموت
لا أنكر باني اشغل نفسي كثيرا بها، ولعل كلمة "كثير" قد لا تكون مناسبة إذ أني انشغل بها طيلة الوقت تقريبا، تلك الثقافة التي ما خبوت اقرأ بها وأحاول الولوج إلى عالمها ما حييت حتى اعرف شيء ولو يسير يسهل عليّ ما يشغلني من تفكير.
لعل ساءل يقول وما التفكير الذي يشغلك؟ سأجيب بإسهاب لأدون تلك المشاعر التي تسيطر عليّ ما حييت، أفكر دائما بالموت، كفكره.. كيف يكون ؟ ما الشعور المصاحب له؟ وكيف يمكننا استيعاب غياب فرد كان معنا يعيش يتنفس يأكل يشرب يفرح يكتئب يحبط يتفاءل يطمح يمني النفس ويحقق أحلامه أو يخسر أشياءه.
فرد كامل له همومه وله حاجاته كان معنا نلمسه نتحدث معه نشاركه ويشاركنا يحزن لنا يفرح لنا أو العكس قد يعادينا، أو حتى قد يكون بعيد عنا وفجأة نسمع انه انتهى من هذه الدنيا ولم نعد نراه .
انشغل في ان استذكر تلك الأسئلة لماذا يعيش إذا كان سيموت فأردد "ان الموت حق" وأكاد اردد طيلة الوقت وبسبب ومن غير سبب "كل من عليها فإن" ولكن أعود لانشغل في تلك الأفكار.
شاغلني الموت كثيرا وفجأة ومن غير أن احتسب له اخذ مني أبي "جدي" ثم اخذ "جدتي" وهي بالطبع أمي الحنون التي لا أنساها أبدا كيف لا وهي من ربتني وبقيت في حجرها إلى أن كبرت. لم يقف الموت عند ذلك فقد اخذ أحباء كثر مني، منهم القريب ومنهم البعيد، ومنهم من كانت صديقة طفولة وفرقتنا الحياة ونحن لا نزال في الابتدائية، أتذكر كيف وقع سهم في جوفي حين سمعت النبأ وكأني من يموت رغم افتراقنا لسنوات كثيرة ولكن علقت ذكرياتها في عقلي ولطالما تذكرتها.
يشتد التفكير بي حين أمر بالمقابر وأتأمل تلك التلال الصغيرة كيف حضنت سيرة فرد بكاملها، تاريخ صنعه لنفسه أو لعائلته أو لبلده، كيف أن تلك التلال الصغيرة التي تحوي حفرة ذات متسع ضيق،استطاعت أن تحرم فرد من أهله وأهل من قربه، وجرح يغور في الصدر لا يمكن دمله إثر فقده. أجل لا انكر بانه أمر واقع، وكلي إيمان بحقيته وان "أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون" وهي المقولة الخالدة لسيدي أبو عبدا لله الحسين عليه السلام، ولكن كما قلت، تحيرني تلك الثقافة التي اجهلها وأحاول أن أفسر بعض معطياتها فلا أستطيع . ولكن يزداد الأمر سوء حين اقرأ القرآن فحينها أعيش حياة أخرى ودنيا أخرى وشعور مختلف، اجل هذا الكتاب المقدس ينعش قلبي وذاكرتي أيما إنعاش ولكنه يزيدني حيرة لما فيه من بواطن لا يعلمها إلا منزلها سبحانه.
في محاولتي للبحث تلك قرأت الكثير ولعل ابرز ما قرأت من كتب الأرواح وأكثره تأثير هو كتاب "سياحة في الغرب" قد يضحك القارئ للعنوان هذا ولكني اجزم بأنه لو نوى قراءته فلن يجد الشجاعة لتكملته.
يحمل الكتاب الذي ألفه الكاتب الإيراني السيد محمد حسن النجفي القولجاني وترجمه جعفر الخليلي اسم آخر هو "مسيرة الأرواح بعد الموت" ويحكي الكتاب قصة المؤلف الذي تصور نفسه مات وكيف وأين تذهب روحه بعدها، رحلة طويلة ومتعبة ويشعر القارئ بعدها بأنه وقف عند مفترق طرق. الشاهد أن الكتاب الذي يقف على حقائق استلهمها على ضوء القرآن والأحاديث النبوية الشريفة للنبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام قد يهدأ روع المتعبين من فرط التفكير في هذا الأمر ..أمثالي، غير انه لا يعالج الفكرة التي اعترف رغم أني قرأت الكتاب الذي املكه أصلا أكثر من مرة بل، الا انه فتح على مداركي الغاز اكبر. بعد كل هذا اعترف، لست متشائمة فانا بطبعي تفائلية لحد الاسراف، ونظرتي دائما الى الامام وان كنت انشغل بالتطلع الى الوراء اذ اني انتمي للماضي الذي لا اقدر على نسيانه، ولكن تبقى تلك الأفكار كلها تدور في محور "الثقافة" التي اجهلها لذا فان الفضول والتفكير والتغيير الذي ينقلنا من حال إلى أخر أضف إلى أننا في زمن يكثر فيه الموت من حولنا بسبب وبدون سبب كلها عوامل ادت الى ما انا فيه من تفكير، اذكر باني حين كنت صغيرة نادرا ما كان هناك موت لدرجة أن "النعي" في قريتنا الذي يعلن عنه عبر ميكرفونات المساجد بهدف استقطاب المشيعون، يسبب رعب كبير لدى الأهالي لدرجة انه يثير خوفهم أكثر من فضولهم. اما اليوم بتنا نتأقلم مع وضع "الفقد" وصيغ الموت وكأنها حدث مشابه لخبر محلي له وقته وينتهي وكأنها بكبسة زر. تلك الثقافة التي أردت أن اعرف بعض منها، ماذا يفعل الموتى هناك في تلك القبور الرملية؟ هل هم معنا بأرواحهم كما يقال أم هم معلقين بين السماء والأرض أم إنهم يعذبون كل بإثمه ...؟ أسئلة أكاد أعيشها كل يوم ولكن كل يوم تستجد علي ولا من إجابة، ولعلي أدرك في نهاية الأمر إن "كل من عليها فان.. ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". ودعائي في الختام "ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار" ،"ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد ".
قريته هالكتاب حده عجيب
ردحذفاذكر حتى كتبت في اخر صفحة ( بابي انت وامي يا صاحب الزمان )
تحياتي لك