تعرف على نفسك – 4





الأبراج.. والمحاصصة النفسية





يقول الله جل جلاله في سورة البقرة "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، ما يوحي لنا إن توزيع الحصص الدنيوية وفق تلك القاعدة وأيضا يقول عز وجل "قد جعل الله لكل شيء قدرا"سورة الطلاق، ما يؤكد آن النفس لها مدى تكويني إذا بالغت أو أفرطت فيه فأنها تصاب بالعلل .

لنعرف أولا أن الله سبحانه خلق الإنسان متماثلا بمعنى أن المواد الأربع هي ذاتها المكون لكل أجهزته إلا انه سبحانه وزع تلك الحصص متساوية في مقاديرها متغايرة في توزيعها على الروح، وذلك بحسب كل شخص ووفق معطيات ولادته وما يحيط بها من مناخ، ولنتعرف على تلك التوزيعات يجب أن نستشهد بمقولة ابن سينا في القانون إذ يقول شارحاً الطبائع أنها"الأركان وهي أجسام بسيطة وهي أجزاء أولية لبدن الإنسان وغيره، لا يمكن أن تنقسم إلى أجسام مختلفة الصور ويحدث امتزاجها واختلاطها بالأنواع المختلفة من الكائنات الأربع وهي ،اثنان خفيفان وهما النار والهواء، واثنان ثقيلان وهما الأرض (التربة) والماء، فالنار حارة يابسة والهواء حار رطب والأرض باردة يابسة والماء بارد رطب". لذا علينا فهم هذه القاعدة للسير عليها وفق مصوغها الأساسي.

ويكمل ابن سينا ولنستفيد من حكمته " أي طبع، كل طبع إذا خلي وما يوجبه ولم يعارضه سبب من الخارج، ظهر عن الأول حر محسوس، وحالة هي اليبس ، وعن الثاني حر محسوس وحاله هي الرطوبة وعن الثالث والرابع برد محسوس، ويبس أو رطوبة، والرطب سهل القبول للهيئات الشكلية وسهل الترك لها، واليابس عسر القبول سهل الترك، ومهما تخمر اليابس بالرطب استفاد اليابس قبولا للتمديد والتشكيل سهلا، واستفاد الرطب من اليابس حفظا، لما حدث فيه من التقويم والتعديل قويا، واجتمع اليابس بالرطب عن سببه، واستمسك الرطب باليابس عن سيلانه، والثقيلان أعون في كون الأعضاء وفي سكونها ، والخفيفان أعون من كون الأرواح وفي تحريكها وتحريك الأعضاء".

ويكمل ابن سينا "وإذا تصغرت أجزاء هذه الأركان الأربعة وتماست بعضها في بعض بقواها المتضادة وكسر كل واحد منها سورة كيفية الآخر فإذا انتهى الفعل والانفعال بينهما إلى حد ما حدث لذلك المركب كيفية متشابهة في أجزائه هي المزاج، فتارة يغلب عليه الحرارة واليبس وتارة الحر والرطوبة وتارة البرد واليبس وتارة البرد والرطوبة، وتارة احد الوصفين وتارة وسطا مطلقا، وتحت ذلك أقسام بحسب العقل والواقع هذا ما يتعلق بالاركان".

طبعا ابن سينا من كونه طبيبا فهو يقدم هذه الديباجة للدخول في شرح الجسد بعدها، ومكوناته، ولكن ما نريده هنا ليس ما يهم الجسد فله مريديه والباحثين فيه ولكن يهمنا هو تطبيق هذا الجزء على النفس.

أنا معكم في إن كلام ابن سينا يحتاج إلى تفسير وافي ولكن كل ذلك الموجز سوف يفسر هنا برويه ودقة أيضا.

وما لحديث ابن سينا والنفس؟ قد نطرح سؤال لنجيب عليه، فنقول إن الوصف الدقيق لما سماها ابن سينا الكائنات الأربع للطبائع هي ذاتها التي تستخدم في وصف نفسية شخص ما وعليها فقط أي على تلك الأركان الأربع أو الكينونات الأربع أو العناصر أو ما تسمت به (الماء والهواء والأرض والنار) تم تصنيف الأبراج والطوالع كلا حسب يوم مولده وهو ما يسمى بالتنجيم.

وأطلق عليه اسم التنجيم لتدل على آلية استخدام هذا العلم الذي يستقى من حركة النجوم ولن ندخل في تاريخ الاستدلال بالنجوم فهي أول ما فكر فيها الإنسان وأثارت دهشته وفضوله معا حتى لحظ أن النجوم ليست مجرد زينة السماء بل لها عمل اكبر على الإنسان ومنها بحر علماء الصين واليونان والعرب كلا بحسب اعتقاداته ولكنهم أكملوا نهج بعضهم لأنهم يدرسون شيء واحد ويلحظون عالم منتظم هو عالم النجوم، الذي هو واحد في كل الدنيا، لذا كان هذا العلم موحدا ولكن تغلب فيه صيغ المبالغة والحدس والدين بالنسبة لنا كمسلمين.

ولا ننسى تأكيدا على حديث النجوم بان الله سبحانه قال "ولا اقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم" ،يا سبحان الله فقد قسم الله بآياته العظيمة جلها ولكنه وقف عند القسم بمواقع النجوم ليبلغنا بان القسم بمواقعها وحده أمر "عظيم" فما بالك تلك الآيات الجلل التي خلقها الله فهل نتنبه لهذه النقطة.

لا يهمنا علم التنجيم هنا بحد ذاته فانا مؤمنة بأنه لا يعدوا كونه بعض من كل، ولكن يهمنا التعرف على التناسق والارتباط الكوني بين النفس وموقعها النجمي وتأثيرها على الطبائع وعملية التطبع، ولعلنا هنا نستدل ببعض الأحاديث في هذا الصدد منها حديث عبدالله بن سيّابة لأبي عبدالله عليه السلام حين سأله عن جواز النظر إلى النجوم التي يحب مطالعتها وسمع الناس تحرمها فرد عليه الإمام قائلا"ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ولكن إنكم تنظرون في شيء منها كثيرة لا يدرك وقليله لا ينتفع به" لذا لنوجز أمر التنجيم ولنتعمق في دلالات التفكر والتأمل في هذا العلم لا الاستدلال بالغيبيات ولكن الكشف عن مكامن القوة النفسية في صنع الصفات والانفعالات.

يقال أن لكل منا نجم يرعاه يتجسد في السماء بحيث أن تحلق روحه في فضاءه ومنه تنطلق صفاته الظاهرة والباطنة، وهو قول مشابه للفلكيين الذين يأتون لنا بأوصاف مواليد الأبراج التي تصنف بحسب المكونات والعناصر الأربع، ومنه سوف يكون حديثنا، عن الأبراج الأثني عشر المصنفة في أربع عناصر وكيفية تكوين النفس في نطاقها والتصبغ بلون صفاتها.

ولعل العارف بأمر التنجيم أو القارئ –مثلي- في مثل هذه الأمور يعرف بان المنجم أو "الكاهن" أو ما يطلق على نفسه اليوم "بالروحاني" بدل "الساحر" أو "المشعوذ"، إذا أراد الإطلاع على إسرار الشخص ومكامن قوته وطبيعة نفسه لابد له من الاستعانة بمخطط الولادة أو ما يسميه بـ"خريطة البروج" وذلك للتعرف على موقع الكواكب ساعة ولادة الشخص وطالعه، ومن خلال هذه الخارطة يمكن أن يرى المنجم مواقع الكواكب وكذلك الشمس والقمر ساعة ولادة الشخص المعني أو أي شيء أراده .

ويأتي ذلك لإدراك المنجمين بتأثير الطالع وتحكمه في سلوك الشخص لأنها تكشف له صورة كاملة عن أطباع الشخص وصفاته وميوله ومؤهلاته ودوافعه الكامنة والظاهرة.

وقد صنف الفلكيون الأبراج إلى اثني عشر برج قسم كل ثلاثة أبراج منهم في خانة أحد عناصر الطبيعة التكوينية الاربع  بحسب تشكل منازل القمر في ذلك التوقيت، وهي  الأبراج المائية مثل (السرطان –العقرب- الحوت) تتميز هذه الأبراج بارتباطها بالماء بطريقة غريبة ومثيرة، لهم ميزة العطاء كخاصية الماء الذي خلق منه كل شيء حي، هم كالبحر في مده وجزره "مزاجهم عالي" وفيضه وقسره "عطاء حد الإسراف أو الإمساك حد القصر" ولا يحد لهم حدود لذا فأنهم كتومين غامضين، اجتماعيين ولكن ليس كل من يكون بقربهم يسبر أغوارهم.

-الأبراج الهوائية (الجوزاء – الميزان - الدلو) لا يحدهم حدود، ومداركهم قد تكون أمدية أي ليس لها حد ولا يمكن أن تقف على محمل واحد أو لا تكون أبدا لذا فإنهم أذكياء وطموحين كرماء أو العكس، وهم كالهواء إما بارد تضيق به الأنفس أو حار تصفع الوجوه حرارته أو كالنسيم العليل منتعش أو لا يكون أبدا، قد يركبون الصعب ولكنهم فجأة قد يتوقفون عن كل ذلك مثل الرياح التي قد تبقى دقيقة أو تبقى يومين، تقلباتهم سريعة مشابهة لسرعة الرياح فهي بين ممطرة أو جافة أو رطبة أو مغبرة وقيسوا على ذلك تلك الأمزجة التي تتعب من حولهم.

-الأبراج الترابية (الثور- العذراء- الجدي)اسميهم بالعقلاء فلا تهيجهم العاطفة ولا تؤثر فيهم الانفعالات وهم أصحاب قول وفعل، أحلامهم كخرائط المستقبل تكون على ارض الواقع كالتراب الذي يمكن أن يكون بين يديك ملموس تراه وتستطيع التحكم فيه، وقد لا يكون ذا فائدة ولكنه موجود دائما، قد يتكون منه الصلب العسر وقد يتكون منه الطين اللين وهذا سهل المعشر، لا أجد وصف غير أنهم عقلاء أو العكس لأصف بهم أصحاب هذه الأبراج.

- الأبراج النارية (الحمل- الأسد- القوس) عكس تماما الأبراج الترابية فان كنت تستطيع أن تلمس التراب فمن يستطيع لمس الجمر؟ أصحاب هذه الأبراج انفعاليون وتؤثر فيهم الأبراج السابقة بطريقة كبيرة وهم أيضا مؤثرون ولهم مكانتهم، ولكن لا يمكن أن يتمايزوا أو يتأقلموا مع الكل، فلهم الخامات التي تناسبهم فالماء يستطيع أن يطفي النار والهواء قد يزيدها سعير، أما التراب فقد تحوله النار إلى رماد، لذا فان أصحاب هذا البرج شعلة من الطموح والقدرة والنشاط ولكن صعب أن تهيل عليه التراب.

وفي كل تلك الأبراج هناك قدر معين لكل شخص لا يصح أن تطغى فيغرق في التطرف أما العقلي أو الدنيويين ويمكننا أن نطابق سمات الأبراج مع ما ذكره ابن سيناء سنرى انه قد أعطانا زبدة القول ..

ولعل في الختام يمكننا أن نستعين بحديث الإمام الصادق عن طغيان أي مادة لأي نفس من عنصرها الأصلي وماذا تؤدي إليه إذ يقول عليه السلام"إن عامة هذه الأرواح من المرّة الغالبة أو دم محترق أو بلغم غالب، فليشتغل الرجل بمراعاة نفسه قبل أن يغلب عليه شيء من هذه الطبائع فيهلكه".. كيف ذلك ..؟ سيكون جوابنا القادم ..

لنا متابعة ..



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تعرف على نفسك _ 6

هوى البحر.. كالبحر